أبرز المواضيعاخر الاخبار

حوار مع السفير الصادق المقلي: هناك تقاطعات كثيرة بين وثيقة القاهرة والاتفاق الإطاري

مصدر الخبر / الحراك السياسي

الاتفاق الإطاري سيمضي لنهاياته شاء من شاء وأبى من أبى

بكل أسف انقلاب أكتوبر قوض كل مكتسبات ثورة ديسمبر

السودان لا يزال في حالة حرب مع إسرائيل ويجب توقيع اتفاق سلام قبل التطبيع

زيارة إيلي كوهين أحدثت نقلة نوعية في مسار التطبيع مع الكيان الصهيوني

حوار- ماجدة عدلان

أشار السفير الصادق المقلي لوجود غموض كثيف وتقاطعات عديدة بين الاتفاق الإطاري الموقع بين العسكر وقوى الحرية والتغيير، وبين وثيقة القاهرة التي أنتجتها الورشة التي انعقدت مؤخراً بالقاهرة. وبين أن التقاطعات تتمثل في تشكيل المجلس الأعلى للقوات المسلحة إضافة لتشكيل مجلس السيادة بمحاصصات ولائية، إضافة لإغراق الفترة الانتقالية ب 7 مجالس وأكثر من 10 مفوضيات، فضلاً عن الاختلاف حول الفترة الانتقالية التي حددها الاتفاق الإطاري بمدة 24شهراً، بينما حددت لها وثيقة القاهرة فترة ثلاثين شهراً.

وأكد المقلي أن الزيارات التي قام بها المبعوثون الدوليون للبلاد مؤخراً تأتي في إطار دعم المعسكر الغربي وعلى رأسه الترويكا والاتحاد الأوربي للعملية السياسية، باعتبارها الآلية الوحيدة لاستعادة مسار التحول الدايمقراطي والدولة المدنية، لافتاً إلى أن الاتفاق الإطاري سيمضي إلى نهاياته رغم تقاطعاته مع وثيقة القاهرة لأنه مسنود بالمجتمع الدولي والإقليمي.. كثير من المحاور ناقشناها مع السفير الصادق المقلي من خلال الحوار التالي:

– برأيك ماهي أهم التقاطعات بين الإطاري والوثيقة المعدلة في القاهرة؟

أهم هذه التقاطعات الغموض حول تشكيل المجلس الأعلى للقوات المسلحة، فهو مرفوض من قبل الموقعين على الاتفاق الإطاري، كما أن تشكيل مجلس السيادة بمحاصصات ولائية أيضاً يمثل أحد التقاطعات. فجعل مجلس السياسة الانتقالي كحاضنة سياسية وضمن هياكل الحكم يتقاطع مع الاتفاق الإطاري الذي لا يتحدث عن القوى الموقعة على الاتفاق، كأحد هياكل السلطة كما أن الاتفاق الإطاري جعل الرقابة تقع على عاتق المجلس التشريعي، بينما أغرقت وثيقة القاهرة الفترة الانتقالية بالمجالس، إذ حددت ٧ مجالس وأكثر من ١٠ مفوضيات. كما أن وثيقة القاهرة تطالب بإشراك كل الكتل في هياكل الحكم أي أن كل مكونات الكتلة ستكون في هياكل السلطة بما فيهم جماعة مبارك المهدي والسيسي، وترك وجعفر وهذا أمر مرفوض في الاتفاق الإطاري الذي ينص على التوقيع بصورة منفردة، كما أن تسمية السلطة السيادية التفاف حول الأمر ليظل مجلس السيادة مع وجود المجلس الأعلى للقوات المسلحة، وكأن الأخير سوف يكون رأساً ثانياً للدولة بصورة ضمنية، هذا بالإضافة للاختلاف حول مدة الفترة الانتقالية التي حدد لها الاتفاق الإطاري ٢٤ شهراً، وحددت لها الوثيقة الدستورية المعدلة في ورشة القاهرة ٣٠ شهراً.

– برأيك ما دلالة الزيارات التي قام بها 6 مبعوثين غربيين للخرطوم مجتمعين في هذا التوقيت الهام جداً والمفصلي؟

تأتي هذه الزيارات في إطار دعم المعسكر الغربي وعلى رأسه الترويكا والاتحاد الأوروبي للعملية السياسية الجارية، باعتبارها الآلية الوحيدة لاستعادة مسار التحول الديمقراطي والدولة المدنية في السودان، وهو موقف ظل ثابتاً منذ وقت طويل، فضلاً عن أن هذه الدول الغربية تدعم بشدة الآلية باعتبارها الممثل الدولي الشرعي للأمم المتحدة، وفق قرار مجلس الأمن لدعم الانتقال الديمقراطي في السودان، وإنهاء استيلاء الجيش على السلطة في السودان.

هذه الدول والدول الخليجية خاصة السعودية والإمارات العربية أعضاء في الآلية الرباعية تجمع بينهم مصالح اقتصادية في السودان وجيوستراتيجيته في المنطقة، وأمن البحر الأحمر والقرن الإفريقي في مواجهة أي تمدد لروسيا أو الصين في هذه المنطقة، ومن وراء أمريكا في نفس السياق إسرائيل، فالتكالب هو تقاطع مصالح أكثر منه دعم التحول الديمقراطي في حد ذاته.

– ماهي أهم التعقيدات التي تواجه الاتفاق الإطاري والوثيقة المعدلة فيما يتعلق بالتنفيذ؟

التعقيدات تكمن في أن الاتفاق الإطاري حدد معايير معينة للتوقيع عليه بواسطة كل كيان سياسي أو مدني أو ثوري أو ضمن ما أسمته بقوى الانتقال كل على حدة، وليس ككتلة تجمع عدة كيانات سياسية كما هو الحال بالنسبة للكتلة الديمقراطية، وهذا هو أس الخلاف بين المكونين. فالموقعون على الاتفاق الإطاري يقبلون فقط مني وجبريل باعتبارهما قيادات حركات الكفاح المسلح التي وقعت على اتفاقية جوبا للسلام، ويعتبرون بقية أعضاء الكتلة إما وكلاء ومساندين للانقلاب أو من سدنة نظام الإنقاذ وشاركوا فيه ولا يدينون انقلاب ٢٥ أكتوبر، ولا يؤمنون أصلاً بالثورة والتحول الديمقراطي كما يروج الموقعون على الاتفاق الإطاري.

– هل ترى أن تلك التقيدات ربما تنسف كلا الاتفاقين؟

رغم هذه التعقيدات أعتقد أن الإتفاق الإطاري سيمضي إلى نهاياته شاء من شاء وأبى من أبى، لأنه مسنود بالمجتمع الدولي والإقليمي والحراك الثوري في الشارع وأهم من ذلك المؤسسة العسكرية الذي عبر عنها صراحه مؤخراً في شرق النيل الفريق أول حميدتي، سيما وأنه قد صرح بأنهم لن يخونوا العهد بتوقيعه والبرهان على الاتفاق الإطاري الذي يعتبرونه السيناريو الوحيد لإخراج البلاد من عنق الزجاجة، كما أقر بفشل الانقلاب وعجزهم لأكثر من ١٥ شهراً في تكوين حكومة، كما أقر بإفلاس الدَولة وعجزها عن تسديد مرتبات العاملين.

ولعل الجنرال حميدتي محق فيما ذهب إليه خاصة وأن الدولة المعزولة دولياً وإقليمياً على حافة الانهيار وأن أي تأخير لهذه العملية السياسية أو إعاقتها سوف تورد البلاد موارد الهلاك، وإلى متى تستمر معاناة المواطنين في معاشهم وإلى متى يستمر هذا الاحتقان السياسي والانهيار الأمني والاقتصادي والمجتمعي والصراعات القبلية؟؟؟؟ .. هذا السؤال نوجهه لكل ذي قلب ولقي السمع وهَو شهيد إلى متى يحتكم الساسة لصوت العقل، ولحركات الكفاح المسلح إلى متى تظل اتفاقية جوبا للسلام حبيسة الأدراج، وإلى متى تستمر معاناة الأهل الشرفاء في دارفور والملايين منهم ما بين نازح ولاجئ.

– قلت إن الاتفاق الإطاري مدعوم من الشارع لكن الواقع يقول إن لجان المقاومة ترفض ذلك ولا تريد التحالف مع أي قوى سياسية؟

رجال المقاومة ما برحوا يلوحون بشعار لا تفاوض مع العسكر لأنهم فقدوا الثقة فيهم رغم تأكيدات العسكر بأنهم سيغادرون المشهد السياسي والعوَدة للثكنات، وحتى قحت المجلس المركزي لا يحبذون انضمامهم أو توقيعهم على الاتفاق الإطاري الذي يهدف إلى تحقيق شعاراتهم وأهداف الثورة، باعتبارهم الضلع الأول في الآلية الثلاثية التي ترمي إلى إسقاط الانقلاب ولذلك من الضروري أن يستمر الحراك الثوري في الشارع كضامن لتحقيق أهداف الثورة وإسقاط الانقلاب، جنباً إلى جنب مع ضلعي الآلية الآخرين، أي الضغوط الدولية والإقليمية والعملية السياسية.

– كيف تقيم زيارة وزير الخارجية الإسرائيلي وما تأثير الزيارة على المشهد السوداني خاصة أن هنالك اتفاق سلام سيبرم بين الطرفين؟

لعل هذه الزيارة تتم للمرة الأولى بشكل علني وصريح وفي إطار دبلوماسي بقيادة وزير خارجية إسرائيل، وبحضور نظيره السوداني المكلف، إذ سبق لإيلي كوهين نفسه أن زار السودان سابقاً بشكل سري لكن بصفته وزيراً للأمن.

وأن الزيارة إلى جانب هدفها في الحفاظ على زخم مساعي الاتفاق العربي- الإسرائيلي، تأتي ضمن خطوات سابقة بدأت بلقاء عنتيبي ثم لقاءات سرية وزيارات أمنية قادها كوهين نفسه، وصولاً إلى زيارة وزير الخزانة الأميركي السابق ستيفن منوتشين، في مطلع 2021، ولقاءاته مع كل من البرهان ورئيس الوزراء السابق عبدالله حمدوك التي انتهت بتوقيع إعلان مبادئ حول اتفاق أبراهام، مع وزير العدل السوداني نصرالدين عبدالباري وقتذاك.

– هل يعني ذلك أن الحكومة ماضية في الاتفاق مع إسرائيل؟

لا شك أن حكومة حمدوك كانت مرغمة على اتخاذ ذلك الطريق الصعب، وقد لجأت إلى فقه الضرورة، لابتدار خطوات في مسار التطبيع، سيما وأن إدارة ترامب عرابة صفقة القرن والتأييد الأعمى لإسرائيل ورفضها حتى لحل الدولتين، قد اشترطت إزالة اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب بالتطبيع مع إسرائيل، هذه القائمة التي عزلت السودان تماماً من المجتمع الدولي والمؤسسات المالية الدولية متعددة الأطراف، وحرمته من استحقاقاته في إطار مبادرة إعفاء الديون الهيبك ونادي باريس. كما أنه لا سبيل للسودان لإعفاء ديونه واستعادة علاقته مع مجموعة البنك الدولي، إلا بتسديد ديونه في المصارف الدولية متعددة الأطراف خاصة مجموعة البنك الدولي وبنك التنمية الأفريقي، ولذلك لم يكن من خيار أمام حكومة حمدوك إلا أن تعمل مبدأ فقه الضرورة والخضوع لهذا الابتزاز الأمريكي الإسرائيلي، تحقيقاً للمصلحة القومية، لم يكن من خيار غير الموافقة على اتخاذ خطوات في سبيل التطبيع.

– هناك من يقول إن السودان لم يستفدْ البتة من تلك الخطوة؟

على العكس، حكومة حمدوك كان لها ما أرادت حيث طبّع السودان علاقاته مع مجموعة البنك الدولي وبنك التنمية الأفريقي، واستعادة مسار إعفاء الديون في نادي باريس وتدفق العون التنموي والاقتصادي والإنساني، من هذه المؤسسات المالية الدولية بفضل منح أمريكا للسودان قروضاً تجسيرية، فضلاً عن تطبيع العلاقات الثنائية مع الولايات المتحدة الأميركية بعد إزالة اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب. وكل هذه كانت مكتسبات لثورة ديسمبر قوضها بكل أسف انقلاب ٢٥ أكتوبر على مسار التحول الديمقراطي.

– لنعد لزيارة كوهين.. ماذا تستفيد إسرائيل من مثل هذه الزيارات؟

ربما من منظور تل أبيب أن هذه الزيارة تهدف إلى وضع اللمسات الأخيرة لملامح اتفاق سوداني إسرائيلي برعاية أميركية، تمهد لإبرام معاهدة سلام استكمالاً لـ”اتفاقيات أبراهام”. ومن المتوقع أن تفتح هذه الزيارة مرة أخرى الجدل القديم المتجدد حول العلاقات السودانية الإسرائيلية، لا سيما وأن هناك بعض القوى السياسية الرافضة لمبدأ الاتفاق من الأساس، وهناك من الفقهاء مثل الشيخ حسن عبد الرحمن يرون أن إقامة علاقات ومعاهدة صلح مع إسرائيل من باب السياسة الشرعية وفقه الضرورة، بينما يرى آخرون أن الاتفاق مع تل أبيب لا يدخل أصلاً ضمن مهام أي حكومة انتقالية، ويرجأ الملف برمته إلى حين قيام حكومة منتخبة باتخاذ قرار في شأنه.

– ولكن لماذا يتم التوافق على اتفاق سلام أولاً إن كان السودان قد حزم أمره على التطبيع؟

يجب الإشارة إلى أن خطوة إقامة علاقات دبلوماسية إسرائيلية كاملة مع السودان تتطلب أولاً عقد اتفاق أو معاهدة سلام بين البلدين، باعتبار أن السودان ما برح في حالة حرب مع إسرائيل منذ عام 1967 كسائر الدول العربية الأخرى، وذلك على الرغم من إلغاء الحكومة الانتقالية السابقة قانون مقاطعة إسرائيل، فإن ذلك لا يعني عقد اتفاق سلام أو معاهدة صلح بينهما.

– هل العلاقة مع إسرائيل ضرورية في هذه المرحلة الانتقالية؟

على الرغم من كل هذه التطورات يبقى مطلب عقد اتفاقية أو معاهدة صلح بين البلدين أولاً أمراً ضرورياً كمرحلة أولى، لكن البرهان لا يستطيع بمفرده إتمام المعاهدة أو الاتفاق، إذ يتطلب استكمال هياكل الدولة، خصوصاً قيام المجلس التشريعي المنوط به المصادقة على كل الاتفاقيات الدولية، كما أن انتقال المباحثات بين الجانبين من السرية إلى العلن تعكس خطوة متقدمة، تنم عن حرص الطرفين خصوصاً المؤسسة العسكرية على المضي قدماً في مسار إكمال الاتفاق بين البلدين، برعاية وتنسيق كامل مع الولايات المتحدة الأميركية.

– هناك من المراقيبن من ربط هذه الزيارة بالتطورات التي أعقبت وصول اليمين المتطرف وما سموه بتخفيف الضغوط الداخلية؟

مهما كان شكل الحكومة في تل أبيب يمنة أو يسرى، فإن موضوع مضيها قدماً في ملف التطبيع مع الدول العربية خاصة والأفريقية هو من ثوابت السياسة الخارجية الإسرائيلية، وأيضاً اختلف مع من ذهب إلى القول، إن إسرائيل تسعى للاستفادة من وجود العسكر في السلطة لتمرير أجندتها على مشارف استعادة التحول الديمقراطي، ونسوا أن المكون المدني في حكومة ما أسميه بالموجة الأولى من المرحلة الانتقالية بقيادة حمدوك هي كجهاز تنفيذي، بخلاف المكون العسكري الذي رمى ضربة البداية في عنتيي، هو الذي اتخذ خطوات ملموسة بدءاً من مشاركة حمدوك في اللقاء الرباعي الافتراضي، مروراً بإنهاء قانون مقاطعة إسرائيل، وانتهاءً بإعلان المباديء المفضي إلى توقيع اتفاقية أبراهام من قبل وزير العدل مع وزير الخزانة الأميركي ولم يكن التوقيع مع المكون العسكري، كما لا يفوت على البعض أن هذه الزيارة التي أحدثت نقلة نوعية في مسار التطبيع مع الكيان الصهيوني، تمت بدون أدنى شك بتنسيق تام مع الولايات المتحدة الأمريكية التي هي رأس الرمح من خلال الرباعية والموقف الأميركي المشرعن بقانون الكونغرس الأميركي، في دعم التحول الديمقراطي وإنهاء الحكم العسكري في السودان لأسباب جيوستراتيجية واقتصادية، وليس هو بالموقف المبدئي حول النظام الديمقراطي في حد ذاته بالإضافة إلى تصريح الخارجية الإسرائيلية أن توقيع اتفاقية السلام مع السودان سيتم خلال العام مع الحكومة المدنية وهي تعلم جيداً أن لا سبيل لاتفاق صلح أو معاهدة سلام مع إسرائيل، بمنأى عن المصادقة من قبل الجهاز التشريعي الذي تفتقر إليه الدولة حالياً في ظل النظام العسكري.

– هل العلاقة مع إسرائيل أحدثت اختراقاً نوعياً؟

نعم الزيارة أحدثت نقلة نوعية خاصة فيما يتعلق بنشرها، ولقاء الوزير الإسرائيلي مع البرهان فى حضور رصيفه المكلف، علناً في وسائل الإعلام الرسمية، وذلك في إطار حرص تل أبيب على الحفاظ على زخم مسار التطبيع مع الدول العربية.

اضغط هنا للإنضمام لمجموعة ( سوان لايف ) على الواتسب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى