
أبوعاقله محمد أماسا
ما الذي يستفيده مواطن (الكنابي) من تصعيد قضيتهم لتحتل جزءً من المنابر الساسية؟.. سؤال مهم وملغوم يدور بخاطري منذ أن بدأ بعض الفاشلين من سياسيي دارفور بالزج بموضوع الكنابي في المزايدات والتعقيدات الجارية على الصعيد السياسي، والمتاجرة بمجموعات كان نزوحها من مناطقها في الأساس بسبب ما صنعه بهم الفاشلين من ابناء جلدتهم.. وقد هربوا من هناك لأسباب متفرقة بدأت منذ مجاعة منتصف الثمانينات، والتي شهدت هجرة مئات الآلاف إلى وسط السودان، ليسمن دارفور وحدها.. بل من كافة الدول المجاورة، واستفاد الأجانب منهم من تشابه البيئة والتداخل القبلي القائم ودخلوا وتوغلوا حتى وصلوا إلى الجزيرة حيث المشروع المروي.
الظروف التي هاجر فيها هؤلاء الناس لم تكن ظروف عادية، ولم تحدث إنتهاكات بالمعنى الذي يريد سياسيي الغفلة المتاجرة بها، وأنبه إلى أن لغة الحركات المسلحة التي يريد جبريل وبعض رموز الفشل في إدخاله في كنابي الجزيرة من شأنه أن يضر بمصالح البسطاء الذين دفعت بهم الظروف إلى المشروع وبدأوا فيه كعمال يوميات و(ضحوات) وجرى التطور الطبيعي لحياتهم إلى أن تملكوا الأراضي داخل القرى والمدن وشيدوا أفضل البيوت وامتلكوا السيارات والحواشات وإنصهر بعضهم مع أهل المنطقة وتصاهروا وتناسلوا، بل تعلم أبناءهم ودخلوا الجامعات وتحسنت أوضاعهم بصورة ما كانت لتتوفر لو أنهم انتظروا جبريل إبراهيم وقيادات دارفور التي أحالت ذلك الإقليم فاحش الثراء إلى جحيم الموت فيه بالمجان، وأنا في هذا المجال ليس بمجتهد يكتب بناءً على معلومات سماعية، بل جزء أصيل من قصص الهجرة من الغرب والإستيطان بالحزيرة، وإن كنت مولوداً ومترعرعاً فيها، ولكن الحق يقال.. هذه الجزيرة وفرت لنا ظروفاً ما كانت لتتوفر لو بقي آباءنا في مناطقهم، والعيش في المدن وقرى الوسط لا يقارن من حيث فرص الحياة والتعليم والتثاقف مع قبائل أخرى، وللجزيرة علينا حق أدبي ومعنوي هو جزء من حق الوطن الكبير..!!
الكنابي التي يقصدها بعض تجار السياسة ضمت مواطنين بعضهم إختار بنفسه العيش هناك واستفاد من فرص العمل في مشروع الجزيرة ووفقه الله وامتلك الحواشات، ومنهم من إختار الإقامة في المدن والقرى وعانى في البدايات ولكنه تطور مع مرور الأيام وامتلك البيوت أسوة بقبائل الجزيرة المعروفة.. اما الحديث عن الإضطهاد والمظالم فهي محاولات للمتاجرة والمزايدة السياسية، بل فتنة سيكون المتضرر منها مواطن الكنابي نفسها..!
الكنابي ذاتها ولمن يعرفها لم تعد هي نفسها الكنابي في الثمانينات، وبعضها شهدت تطورات وديمغرافية مهولة، وبعضها زحفت عليها القرى الأخرى واحتوتها، وأخرى حدث لها تطور كبير في الخدمات من آبار وكهرباء ومدارس.. وتحسنت ظروفها بشكل مشهود، أما الحديث عن الأراضي فالفتنة التي اطاحت بالامن والأمانفي دارفور كانت (الحواكير) والأراضي، ومعروف أن السودان معروف بمناطق القبائل والإثنيات، وإذا سافر أحد مواطني الجزيرة إلى مناطق جبريل إبراهيم مثلاً وأراد ان يمتلك أرضاً فإنه سيواجه بعشرات العقبات والإعتراضات.. وإذا حكمت ظروف أحدهم وألقت به إلى مناطقنا نحن ي جبال النوبه ستعترض بعض المجموعات المنغلقة على تواجدهم.. والسودانيين بصفة عامة يهاجرون إلى شتى بقاع المعمورة ويعانون من تبعات الهجرة.. ومهما وجدوا من دعة ورغد في العيش فإن حريتهم تكون منقوصة عما هي عليه في أوطانهم..!!
أذكر في هذا السياق أنني كنت أسافر من أبوعشر إلى قرية في عمق الجزيرة تسمى (الفكي حامد)، وهي آخر قرى ريفي أبوقوته شرقاً، وذلك لقضاء إجازات المدارس مع عمتي شقيقة والدي، وقد اختارت مع زوجها وأبناءها الإقامة في تلك القرية التي لايوجد فيها سوى قبيلة (الكواهلة).. ولكن عمي جبريل محمد إيكا.. الرجل المتصوف وأحد حيران مسيد طابت الشيخ عبدالمحمود، والذي هاجر من قرية (كرمتي) في جبال النوبة إمتلك بيتاً في قرية الفكي حامد وسط الكواهلة، وكان بص أبوقوته مدني يمر قاطعاً ارضه إلى نصفين.. وعاشت الأسرة هناك على أفضل مايكون، تجمعهم علاقات ممتدة مع الأسر حتى يومنا هذا..!!
داخل مشروع الجزيرة مجموعات من القرى الصغيرة والكبيرة.. ظروفها من ناحية خدمات صحية وتعليمية ظروفها أسوأ بكثير مما هي عليه في الكنابي التي يقصدها سياسيي دارفور والمتاجرين بقضاياها وهم الذين فشلوا في تقديم أبسط مقومات العيش الكريم لمن بقوا بدارفور.. فكيف تمتد أياديهم بالخير لمن نزح منها واستوطن بالجزيرة…؟!
رسالتي إلى جبريل إبراهيم وبقية حركات دارفور المسلحة أن اتركوا كنابي الجزيرة في حالها، فمواطنيها قد عرفوا معنى الحياة المستقرة والآمنة هنا، وتطورت أوضاعهم بشكل طبيعي وامتلكوا وتملكوا وعاشوا وتعايشوا مع الظروف والأرض وأصبحوا جزءً من إنسان الجزيرة.. فلا تنغصوا حياتهم بالمتاجرة بقضيتهم..!!